صحيفة إلكترونية مغربية عامة

العنف بين الشباب .. من اللغة اليومية إلى المقاومة الرمزية

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

العنف بين الشباب .. من اللغة اليومية إلى المقاومة الرمزية

العتوبي عبدالإله، باحث في سوسيولوجيا الهشاشة والحياة اليومية.

لا يمكن فهم العنف المتنامي بين فئة الشباب العربي بمعزل عن السياقات الرمزية التي تسبق كل فعل مادي. العنف، كما أوضح بيير بورديو، لا يبدأ من السكين أو العصا، بل من الكلمة، من المعنى، من اللغة. وما نراه اليوم من تصاعد مظاهر العنف المادي في الشارع، أو في الملاعب، أو حتى في الفضاءات الرقمية، ليس إلا النتيجة النهائية لاحتباسات طويلة الأمد في الذاكرة والهوية والكرامة.

في هذا السياق، تشير دراسة الباحث ميلاد عريشة (2022) حول العنف الرمزي بين الشباب الليبي إلى أن اللغة اليومية ووسائط التواصل الاجتماعي أصبحت بيئة حاضنة للعنف غير المرئي. عنف لا يُمارَس باليد، بل بالرمز، وبالكلمة، وبالصور المتداولة التي تُقصي وتُهمش وتُسخر. هذا العنف “الناعم” يتغلغل في الوعي دون أن يثير ضجيجاً، لكنه يراكم مشاعر الإقصاء والاغتراب التي تنفجر لاحقاً في صور عنف مادي.

أما في الجزائر، فقد كشفت دراسة زنانرة ووناسي عن العنف الرمزي كآلية للهيمنة المؤسساتية، وبيّنت كيف تمارس الدولة هذا العنف بصيغ بيروقراطية وثقافية تعيد إنتاج الخضوع، مما يدفع الشباب إلى ابتكار أشكال من “المقاومة التحتية” (infra-political resistance)، كما يسميها جيمس سكوت. هذه المقاومة قد لا تتخذ دائماً أشكالاً ثورية واضحة، لكنها تظهر عبر أشكال متفرقة من التمرد اليومي: من اللباس، إلى الموسيقى، إلى اللغة.

وفي المغرب، رصد الباحث حسن حرمة الله (2021) العنف لدى الشباب بوصفه ظاهرة سوسيولوجية تتجاوز الفردانية، مشدداً على أن العنف ليس وليد الانفعال، بل هو شكل من أشكال التفاوض مع واقع جائر، حيث تتحول الأحياء المهمشة إلى مسارح يومية للكرامة المهدورة والحقوق المؤجلة. العنف هنا يصبح لغة احتجاج ضد انسداد الأفق، وضد الدولة حين تفشل في تأمين العدالة الرمزية قبل المادية.

تلتقي هذه الدراسات على فكرة محورية: أن العنف الرمزي هو “السلطة الخفية” التي تُنتج سلوكيات عنيفة، وإن بدت عشوائية أو لا سياسية في ظاهرها. لذا فإن معالجة ظاهرة العنف بين الشباب لا يمكن أن تتم عبر المزيد من القمع أو الخطابات الأخلاقية، بل عبر تفكيك البنى الرمزية التي تصنع هذا العنف، من المناهج الدراسية إلى الإعلام إلى السياسات العامة.

ختاماً، العنف ليس مرضاً فردياً، بل مرآة لمرض اجتماعي أعمق. ولكي نعالجه، علينا أن نُصغي أولاً إلى اللغة التي يُعبّر بها الشباب عن ألمهم من خلال ما يتم تداوله في حياتهم اليومية.

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اعلان اشهاري
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.