التمويل العمومي للسينما المغربية.. دعم أم تقييد لحرية الإبداع؟

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

التمويل العمومي للسينما المغربية.. دعم أم تقييد لحرية الإبداع؟

(ر،ق)

يُعدّ المهرجان الوطني للفيلم محطة سنوية بارزة في المشهد الثقافي المغربي، غير أن عملية انتقاء الأفلام المشاركة تظل مثار نقاش دائم بين الفاعلين في الحقل السينمائي، نظراً لما يحمله هذا الموعد من رمزية باعتباره واجهة تعكس حال السينما الوطنية.
ورغم ما يُثار من جدل، فإن اختيار الأفلام يخضع لمساطر دقيقة تشرف عليها لجان مستقلة مكوّنة من مهنيين، دون تدخل أو وصاية من أي جهة، وهو ما يجعل من استقلالية هذه اللجان ضمانة لشفافية الاختيار واحترام قواعد المنافسة الفنية.

لكن خلف هذا النقاش المهني، تبرز إشكالية أعمق تتعلق بعلاقة التمويل العمومي بالإبداع السينمائي. فبحسب منظومة الدعم السينمائي بالمغرب، يتحمل المركز السينمائي المغربي في المتوسط ثلثي ميزانية أي فيلم، بينما تلتزم شركة الإنتاج بالثلث المتبقي، ما يعني أن الفيلم المغربي في جوهره إنتاج عمومي تموله الدولة، في حين تتحول شركة الإنتاج إلى منتج منفذ باسم الدولة، ومساهم في الجزء الذي استثمره فقط.

هذا النموذج، وإن كان يضمن استمرارية الصناعة السينمائية، إلا أنه يفتح الباب أمام أسئلة مشروعة حول حدود استقلالية المنتج وموقع الإبداع الفردي أمام ثقل التمويل العمومي.
ويزداد النقاش عمقاً حين نعلم أن الحقوق الثقافية للأفلام تعود إلى المركز السينمائي المغربي بعد مرور سنتين على عرضها التجاري الأول، مما يجعل الدولة ليس فقط ممولاً، بل أيضاً شريكاً في الذاكرة السينمائية الوطنية ومالكةً لحقوق الاستغلال على المدى البعيد.

هذا الواقع يدفع كثيرين إلى المطالبة بمراجعة التوازن بين دعم الدولة وضمان حرية المنتجين، خصوصاً في ما يتعلق بالاستغلال الدولي للأفلام المغربية، وتوزيعها في الأسواق العالمية.

وفي تجارب مقارنة، تخصص مهرجانات دولية كبرى فقرات بعنوان “بانوراما” لعرض أفلام ترقى إلى المعايير الجمالية والتقنية، دون أن تكون بالضرورة مرشحة للمسابقات الرسمية. الهدف من ذلك هو تكريم الفن السينمائي بصفته إبداعاً راقياً، وليس فقط منافسة على الجوائز.

من جهة أخرى، لا يمكن فصل قرارات لجان الانتقاء عن طبيعة الجمهور الذي يتوجه إليه الفيلم. فهناك المشاهد الخبير الذي يحلل العمل بمعايير دقيقة، والمشاهد الناقد الذي يوازن بين الذائقة والرؤية النقدية، والمشاهد العامي الذي يستهلك الفيلم كمنتوج ترفيهي. غير أن لجنة التقييم، في النهاية، مطالبة بالاحتكام إلى القواعد الفنية والقانونية، لا إلى الأذواق الفردية.

قانونياً، تتجه الاجتهادات القضائية المقارنة إلى اعتبار قرارات لجان الانتقاء غير قابلة للطعن ما لم يثبت خرق القوانين أو وقوع تمييز صريح، وهو ما يعزز من استقلالية اللجان ويجعلها تتحمل مسؤولية كبرى في احترام مبدأ الشفافية وتكافؤ الفرص.

إن السينما المغربية اليوم بحاجة إلى نقاش وطني هادئ ومسؤول، يعيد تعريف علاقة المنتج بالدولة، ويؤسس لرؤية تجعل من الدعم العمومي رافعة للتحفيز لا أداة للوصاية. كما أن المهرجان الوطني للفيلم مدعو إلى تعزيز مصداقية لجانه وحماية استقلالية قراراتها، بما يجعل من انتقاء الأفلام خطوة تعكس الثقة في الفنان المغربي وفي تطلعات جمهوره.

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: Content is protected !!