ملك من نور… ووطن من ولاء
بقلم: زكية لعروسي
(رسالة من الجالية)
حين سطر الجاحظ كلماته في كتاب التاج في أخلاق الملوك، لم يكن يؤرخ لحكم أو يصف سلطانا، بل كان يكتب عن روح الملك التي تسكن بين الحكمة والعقل، بين الهيبة والرحمة. لم يكن يصفه بما يراه الناس من أبهة وسلطان، بل بما يعلمه أهل الفكر من سر الملك وجوهر القيادة. كان يرى أن الملك لا يقاس بعرشه، بل بعلمه وإنصافه، وأن التاج الحقيقي ليس ذهبا على الرأس، بل تاج من عقل ونور في البصيرة وعدل ورحمة في القرار، وإنسانية في الفعل.
وإن من تدبر هذا القول يدرك أن ما نعيشه في مغربنا اليوم ليس مجرد تكرار لتاريخ قديم، بل هو إمتداد حي لذلك الفكر العميق الذي جعل من الحكم رسالة، ومن القيادة فنا، ومن خدمة الناس عبادة.
في شخص جلالة الملك محمد السادس نصره الله نلمس تلك الصفات التي رسمها الجاحظ بريشة من نور ووفاء.
هو ملك لا يتحدث بصوت عال، بل بصمت يحمل هيبة التاريخ. هو قائد لا يرفع الشعارات، بل يزرعها في واقع يتحرك بالعمل والصدق والعطاء. يمشي بين الناس في تواضع الملوك، ويصغي لنبضهم كما يصغي الأب لوجيب قلب طفله.
فمن رأى خطواته في الأحياء الفقيرة، أدرك أن الملك عنده ليس سورا من ذهب، بل جسرا نحو قلوب رعيته.
لقد قال الجاحظ: “من أراد أن يعرف أخلاق الملوك، فلينظر كيف يصلحون ولا كيف يحكمون.”
وهنا، في مغربنا، نرى إصلاحا يمتد في كل زاوية من الوطن: في المدرسة التي تبنى، والمستشفى الذي يرمم، والقرية التي تصلها يد الدولة بعد طول إنتظار.
نراه في الرؤية المتبصرة التي جمعت بين أصالة التاريخ المغربي ورحابة الحداثة، بين إنتماء عربي عريق وأفق إفريقي رحب.
وليس غريبا أن تكون الملكية المغربية بهذا الصفاء وهذا الثبات، فهي إمتداد لسلالة شريفة من آل البيت، جمعت بين الدم الهاشمي والروح المغربية التي لا تعرف الانكسار.
هي ميثاق بين العرش والشعب، لا تحده المراسيم ولا تلغيه السنين، بل تحميه المحبة، وتباركه البيعة القلبية الصادقة التي تتجدد كل يوم في أفئدة المغاربة.
واليوم، ونحن نرفع الدعاء كجالية من أعماق القلوب، نسأل الله أن يمن على جلالة الملك محمد السادس بتمام الشفاء والعافية، وأن يعيده إلى شعبه معافى مكرما، ليواصل مسيرة البناء والنماء، وليظل تاجا من نور فوق جبين الوطن.
يا صاحب الجلالة،
إن في ثباتكم صونا للهوية، وفي حكمتكم أمانا للأمة،
وإننا، كما قال الجاحظ عن الملوك الراسخين:
“إذا تكلموا أطفأوا نار الفتنة، وإذا صمتوا عم الأمن في القلوب.”
فطب شفاء وعزا، يا من يسكن في الحكمة، وطاب مغربنا المجيد بك، ما دام في قلبك يسكن.

