حين تُغتال الخصوصية باسم التنمية
حين تُغتال الخصوصية باسم التنمية
محمد النقاش
في قلب جماعة بوروس، حيث تسكن البساطة جمال الحياة، وحيث تنبعث الأحلام من رحم الأرض، يجد السكان أنفسهم أمام واقع لا يُرضي الطموح ولا يحترم الكرامة. لسنا ضد التنمية، ولا نرفض أي مشروع يفتح أبوابًا جديدة للحياة الكريمة، ولكن عندما يُصبح مفهوم التنمية مطية لتجاهل الخصوصية، وتحويل المنازل إلى مسرح مكشوف، فإن الأصوات ترتفع لتسأل: أي تنمية هذه التي تداهم خصوصية الإنسان وتهدد حرية بيته؟
المناطيد التي تحلق فوق سماء بوروس ليست مجرد وسائل ترفيهية عابرة، بل هي أعين طائرة تخترق الحدود، وتُحول حياة الناس اليومية إلى مشهدٍ مكشوف أمام من لم يُؤذن لهم. في ظل هذا الواقع، يصبح الإحساس بالأمان والاستقلالية وهمًا، ويتحول الفضاء الخاص إلى ساحة عامة دون رضا أو اختيار.
من الذي سيدافع عن ساكنة بوروس؟ عن هؤلاء الذين باتوا يشعرون أن حقوقهم أصبحت مهددة باسم مشاريع لا تراعي أبسط قواعد الاحترام الإنساني. التنمية، التي يُفترض أن تكون جسرًا للمستقبل، لا يمكن أن تأتي على حساب كرامة الناس ولا أن تُبنى على أنقاض خصوصيتهم.
الكرامة لا تُباع ولا تُشترى، والتنمية التي تتجاهل خصوصيات البشر لا تستحق أن تُسمى كذلك. إنما هي محاولة لتجميل الواقع على حساب أعمق القيم الإنسانية. وأمام هذا، لا بد أن تُرفع الأصوات دفاعًا عن الحق، عن الخصوصية، عن الحياة التي لا يمكن أن تُختزل إلى مشهد يُبث من مناطيد تحلق عاليًا بلا ضمير.
إلى كل من يُناصر ساكنة بوروس، إلى كل من يؤمن بأن التنمية لا تتعارض مع الاحترام، نقول: لا تنمية بلا كرامة، ولا كرامة بدون حماية خصوصيات الناس. وعلى من يُدافع عن هذه المشاريع أن يراجع نفسه، لأن الخصوصية التي تُنتهك اليوم، قد تكون يومًا ما خصوصيته هو.
بوروس تستحق أن تكون نموذجًا لتنمية راقية تحترم الجميع، لا أن تكون شاهدة على انتهاك الحقوق باسم المستقبل.