احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.
حين تصبح اللوحة مرآة الذات وتعبيرًا عن التجربة الإنسانية
رشيد قريش
قطع الفنان التشكيلي خالد العلواجي مسافات ضوئية في رحلة بحثه عن خط تحريري فني خاص به، بعيدًا عن التقليد، لكنه مطبوع بلمسة سريالية ذاتية تستمد قوتها من واقع مغربي مليء بضجيج الألوان. ألوانه تارة تحاكي ذاتًا حالمة، وتارة أخرى تغمرها نسمات الشغف البوهيمي.
يقول العلواجي في حديثه: «لقد كنت ولا أزال أومن بلهجة اللون، ولغة الريشة، والطابع الحريري للقماش. حتى نعومة اللوحة أكاد أعشق انسيابها مع تموجات ذاتي وأنفاسي». بهذه العبارات، يلخص الفنان بداياته الهادئة، الموشحة بعبق لوحاتٍ تنضح بعاطفة وتجريب لا ينضب.
يهمس العلواجي بأن الانطباعية، التي ظهرت في القرن التاسع عشر، قامت على ضربات الفرشاة الواضحة والتكوين المفتوح، وركزت على دقة تصوير الضوء بتغيراته، وعلى موضوعات عادية وزوايا غير مألوفة، ما جعلها حركة تُبرز أثر الزمن على الإدراك البصري.
أما الواقعية – التي ولدت في فرنسا خلال أربعينيات القرن نفسه – فقد جاءت ثورة على الرومانسية وموضوعاتها العاطفية المبالغ فيها. لخص الفنان خصائصها في: الانطلاق من الواقع الطبيعي والاجتماعي، الاهتمام بالتفاصيل، النظر في الجوانب السلبية، الحياد، وتحريض الفكر والتحليل.
في حديثه عن البوهيمية، توقف العلواجي عند جذور المصطلح الذي ارتبط بمنطقة بوهيميا (التشيك الحالية)، قبل أن يتحول إلى وصفٍ لحياة الفنانين المتحررين من قيود المجتمع. فـ”البوهيمية” ليست مجرد نمط عيش، بل أسلوب وجودٍ فني ألهم أجيالًا من الرسامين والشعراء والموسيقيين، ومنحهم صورة رومانسية عن الحرية والإبداع.
يختم العلواجي حديثه بالاستشهاد بما قاله الناقد الروسي شكلوفسكي حول هدف الفن: «الفن يمنح الإحساس بالأشياء كما تُدرَك، لا كما تُعرَف. إن جوهره هو جعل المألوف غير مألوف، وزيادة صعوبة الإدراك، لأن الإدراك ذاته غاية جمالية».
من هنا، يؤكد العلواجي أن للفن أهدافًا متعددة، تختلف باختلاف الفنان وتجربته، لكنها تظل مرتبطة بالسعي نحو الارتقاء الثقافي والفني، وبالتعبير عن التجربة الذاتية التي تشكل جوهر الإبداع الحديث. فالفن لم يعد مجرد مرآة تعكس الطبيعة، بل تجربة إنسانية تنضح بما يسكن الفنان من رؤى وأسئلة وأحلام.
