رسالة من تحت ركام النكبة والذاكرة: فلسطين تطالب العالم بالإعتذار المؤجل

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

رسالة من تحت ركام النكبة والذاكرة: فلسطين تطالب العالم بالإعتذار المؤجل

بقلم: زكية لعروسي

في لحظة بدت كأنها إعادة كتابة للذاكرة الفلسطينية، ظهر محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عبر شاشة باردة، بعدما أُغلقت في وجهه أبواب نيويورك. لم يكن حضوره محكوما بالبروتوكول أو ديبلوماسية الكلمات، بل بنبرة تشبه المرافعة أمام محكمة التاريخ. أعلن أن حماس لا تمثل الشعب الفلسطيني، وأنها لن تجد مكانا في مستقبل الدولة المرتقبة، مؤكدا أنّ الفلسطينيين ليسوا رهائن للعنف ولا واجهة للكراهية، بل شعب يبحث عن كرامة مستحقة. وفي سياق بدا متعمدا، ميّز عباس بين التضامن مع فلسطين ومعاداة السامية، ليكسر الصورة النمطية التي يحاول الاحتلال تكريسها منذ عقود: أن رفض الاستيطان يعني عداء لليهود. هنا كانت البلاغة مضاعفة، إذ قلبت المعادلة: فلسطين ضحية إستعمار، لا خصم ديانة.
لقد وضع عباس مأساة غزة المدمّرة إلى جانب صفحات سوداء من القرن العشرين: رواندا التي غسلت بالدم، البوسنة التي طهرت عرقيا، هيروشيما التي ابتلعها اللهب النووي. ليست فلسطين مجرد جغرافيا محتلة، بل جرح كوني في جسد الإنسانية. ومن هنا يصبح السؤال أكبر من الاعتراف بالدولة، ليصير مطالبة بإعتذار مؤجل، إعتذار عن قرارات وتقسيمات فرضت عام 1947، عن نكبة هجّرت شعبا بأكمله عام 1948، عن حروب 1967 و1982 وما تلاها من إجتياحات ومجازر، عن حصار غزة الممتد منذ ما يقارب العقدين. إذا كان العالم قد إمتلك شجاعة الاعتذار عن العبودية، وعن الاستعمار، وعن القنابل التي محَت مدنا من الخريطة، فلماذا يظل صامتا أمام مأساة فلسطين؟

الخطاب بدا قصيدة أكثر منه تقريرا سياسيا. فيه رفض للتطرف، وفيه تبرأ من الكراهية، وفيه إستعادة للحق عبر لغة إنسانية. لقد أراد أن يقول للعالم: لسنا حماس، ولسنا أعداء اليهود، نحن ببساطة أصحاب أرض وذاكرة، ضحايا خطأ تاريخي يحتاج إلى إعتراف وإعتذار. وبينما يصرّ الاحتلال على تغليف جرائمه تحت شعار “الأمن”، يصرّ الفلسطينيون على إستعادة لغتهم الأولى: لغة الكرامة. إن العدالة هنا ليست وعدا سياسيا، بل إختبار أخلاقي للحضارة جمعاء، وكل تأجيل للاعتذار ليس سوى إطالة لعمر الجرح المفتوح في وعي الإنسانية.

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: Content is protected !!