الفن ليس مجرد صورة.. والحداثة أعمق من التقنية
نادية الصبار
في ختام فعاليات الملتقى الوطني الثالث للنزعة الخطية، الذي احتضنه “بيت الذاكرة”، أطلق الفنان والكاتب المغربي القدير عفيف بناني نداءً مدويًا لإعادة الاعتبار للفن الأصيل، محذرًا بشدة من الانزلاق في مستنقع “الفوضى الفنية” التي تتستر بعباءة الحداثة الزائفة.
بناني، مؤسس النزعة الخطية، استغل المنصة الختامية ليقدم قراءة نقدية لاذعة لمسار الفن البصري المعاصر، مؤكدًا بلهجة حاسمة: “لا فن بلا بناء، ولا حداثة بغير معنى”. وانتقد بشدة ما وصفه بـ “الاستغلال المفرط للحرية التقنية” الذي أنتج، حسب رأيه، صورًا سطحية تفتقر إلى العمق الرمزي والفلسفي، وتستسهل التقنية على حساب جوهر التعبير الفني.
في كلمته التي استمع إليها جمهور من الفنانين والنقاد والمهتمين، دعا بناني إلى ضرورة استعادة التوازن المفقود بين حرية الإبداع والصرامة المنهجية، مشددًا على أهمية العودة إلى القواعد الأكاديمية الراسخة كمدخل أساسي لترميم الذائقة الفنية التي يرى أنها تتآكل بفعل “منتوجات بصرية معاصرة تفتقر إلى الأساس وتُساهم في تكسير الذوق العام”.
واستعرض الفنان المغربي سياق نشأة “النزعة الخطية” التي آثر لها أن تكون مشروعًا جماعيًا منذ البداية، مؤكدًا أنها لم تكن وليدة انفعال عابر أو حل تقني آني، بل هي نتاج تفكير فلسفي عميق في العلاقة الجوهرية بين الخط والفراغ، وفي البنية الداخلية العميقة للعمل الفني، بعيدًا عن الاكتفاء بالسطح واللون.
وعبّر بناني عن فخره بالاتساع المتزايد لدائرة الفنانين المنخرطين في هذا التيار الفني، مشيرًا إلى أن “النزعة الخطية” تضم اليوم 32 فنانًا وفنانة يجمعهم إيمان راسخ بضرورة إحياء الخط كجسر حيوي يربط بين التأمل الجمالي والمعنى الفلسفي العميق.
ولم يغفل بناني، في سياق حديثه، التذكير بمحطات مفصلية في تاريخ الفن، مستحضرًا مقاومة الانطباعيين لسلطة التصوير، ودفاع كبار فناني القرن التاسع عشر عن قيمة المعنى في مواجهة السطحية. وأكد أن كل ثورة فنية حقيقية انطلقت من رؤية واضحة واشتغال جاد، وليس من مجرد فوضى عابرة أو انبهار سطحي بالتكنولوجيا.
بهذه الكلمات القوية والواضحة، اختتم ملتقى النزعة الخطية فعالياته، تاركًا وراءه أسئلة جوهرية ونقاشًا حيويًا حول مستقبل الفن ودوره في مجتمع يشهد تحولات متسارعة. لقد أعاد بناني الاعتبار لقيمة التأسيس والعمق في العمل الفني، ووجه تحذيرًا صارمًا من مغبة استسهال الحداثة والاكتفاء بالسطح، مؤكدًا أن الفن الحقيقي ينهل من التأمل الفلسفي ويحترم قواعد البناء والتكوين.

