الدبلوماسية الطاقية المغربية: آلية لتحويل التحديات إلى فرص بأبعاد مستدامة

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

 في ظل المكانة المتقدمة التي يحظى بها المغرب دوليًا بفضل سياسته الساعية إلى إرساء سبل السلام المستدامة، تلعب الدبلوماسية المغربية دورًا استراتيجيًا في القضايا الإقليمية والدولية تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله. حيث تواصل المملكة جهودها للوساطات في عدة مجالات سياسية تنموية واقتصادية وضمن محيطه الاقيليمي والدولي، وعلى رأسها انتهاج دبلوماسية الطاقة؛  تنزيلا للاستراتيجية طاقية مند 15 سنة معتمدة على خبرته في الطاقات المتجددة وهو ما جعله يوجد في طليعة انتقال طاقي يسير نحو مستقبل مستدام وحديث ، مستفيدا من موارده الطبيعية الوفيرة من قبيل، الشمس والرياح والماء؛ وأضف إلى دلك التزامه بمبادئ الاستدامة مما يجعله يتموقع كرائد إقليمي في هذا القطاع. إضافة إلى الطموحات المشروعة للمملكة في أن تصبح موردا للطاقات النظيفة للسوق الأوروبية الضخمة وجسر الواصل بين افريقيا والأوروبية في كلا الاتجاهين، في قطاعات الكهرباء والغاز واللوجستيك تعزيزا لسياسة للاندماج الإقليمي.

وهذه الاستراتيجية تنطوي على أهداف قابلة للقياس وعلى برامج جريئة، مكنت المغرب من أن يصبح منتجا للطاقة من مصادر متجددة وتحول إلى عملاق في مجال الطاقة الشمسية، في حين كانت البلاد ترتهن في السابق كليا إلى المصادر الخارجية لتلبية احتياجاتها الطاقية.

 عمد المغرب على نهج دبلوماسية الطاقة لمواجهة عدة تحديات: أولها ارتفاع الاستهلاك الطاقي الذي رافق طفرة اقتصاد المملكة الذي تتجاوز فاتورته الطاقية 12 مليار دولار سنويا. وثانيا العزل الطاقي الذي فرضته الجزائر بعدم تجديد اتفاقية غاز من جانبه. إلا أن الطموح المغربي وسعيه التنموي لم يقف مكتوف الأيدي، ليبدأ مباشرة في ما يمكن تسميته بـ “دبلوماسية الطاقة” حيث عمد إلى تنويع مصادر تزويده وتوقيع اتفاقيات بالجملة مع عدد من الدول ذات السيادة الطاقية في مجال الغاز الطبيعي بما فيها شريكه الأول الولايات المتحدة الأمريكية بصفة متسارعة وصامتة في ظل التحولات الجيوسياسية وأزمة الطاقة العالمية بسبب الاجتياح الروسي لأوكرانيا والحرب الدائرة التي أرخت بظلالها على الأسعار في السوق العالمية.

بل أكثر من ذلك، فمع وجود مهارة ديبلوماسية قوية للمغرب، جعله شريكا هاما وأساسيا للقارة الافريقية، حيث ذهب أبعد من جيرانه في تنويع اقتصاده وجذبه للاستثمارات، فمنذ إطلاقه النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية سنة 2016 بدأ التفكير العملي في كيفية الاستفادة من المؤهلات الطاقية والمخزونات الكبيرة المتوفرة من طاقة الرياح والشمس على امتداد السنة، وعبر الرؤية الملكية لعرض المغرب للهيدروجين الأخضر نجح في إقناع مستثمرين في قطاع الطاقات المتجددة بالاستثمار في هذا المجال الواعد مع تكلفة إنتاج منخفضة وتوفير يد عاملة مؤهلة تستفيد من نقل تكنولوجيا تشغيل الهيدروجين، وهو ما تتماشى مع أهداف المملكة بضمان انفتاح الصحراء المغربية على العمق الإفريقي، فضلا عن الربط الطاقي المرتقب مع دول في أوروبا (مشروع الكابل البحري للطاقة الكهربائية النظيفة انطلاقا من جهة كلميم واد نون).. لتعزيز دوره في سوق الطاقة؛ من خلال فتح أسواق جديدة للغاز ، والتحول إقليمي لنقل الغاز الإفريقي إلى أوروبا؛ ومن ثم تعزيز مكاسبها الاقتصادية  من خلال تأمين إمدادات الغاز، بواسطة المبادرة الأطلسية التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس لتعزيز ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، والتي تطمح في جعل المنطقة الأفرو-أطلسية فضاء للسلم والأمن والرخاء المشترك.

الإستراتيجية ذات إطار شامل لكل أبعاد التنموية تصب لصالح لدول الساحل لتمكينهم للوصول إلى المحيط الأطلسي وذلك بجعل افريقيا قارة مزدهرة و محققة التعاون جنوب-جنوب على أساس شراكة مربحة للجميع.. كل هدا بفضل الوساطات الدبلوماسية في المجال الطاقي، وهي تدخل كجزء من سلسلة طويلة من النجاحات الدبلوماسية للمغرب، الذي نجح في تعزيز مكانته كوسيط موثوق به في العديد من القضايا الإفريقية والدولية. فقد استندت الوساطة إلى مقاربة متوازنة تراعي المصالح المشتركة للأطراف كافة، مع  في إعادة بناء الثقة بين الحكومات والشعوب. بفضل رؤية جلالة الملك محمد السادس، بتعزيز السلم والاستقرار في القارة الإفريقية، وذلك من خلال الحوار البناء والتعاون الوثيق مع مختلف الأطراف المتنازعة. تمثل هذه العملية نموذجًا واضحًا تمتاز به المملكة المغربية في التعامل مع القضايا الإنسانية والقضايا الاستراتيجية.

الدكتورة جميلة مرابط

متخصصة في شؤون الاستراتيجيات وسياسات الطاقة والاستدامة البيئية

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: Content is protected !!