مثقال ذرة.. فلسفة الملك في المسؤولية والمحاسبة الأخلاقية

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

مثقال ذرة.. فلسفة الملك في المسؤولية والمحاسبة الأخلاقية

زكية لعروسي

في خطاب سامٍ أمام البرلمان، قدم جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، رؤية متكاملة تمزج بين الواقعية السياسية والبعد الأخلاقي، ليؤكد من جديد أن مرحلة ما بعد الإصلاح المؤسساتي تتطلب عمقًا في الفعل وصدقًا في النية. لم يكن الخطاب مجرد دعوة إلى الانضباط أو تذكير بالواجب، بل كان لحظة لإعادة بناء العلاقة بين المواطن والدولة على أساس الثقة والمسؤولية المتبادلة.

جلالته تحدث بوضوح عن ضرورة تجاوز منطق التبرير إلى منطق الإنجاز، مشددًا على أن المؤسسات التشريعية يجب أن تكون مجالًا لخدمة الصالح العام لا ساحة للمزايدات. الخطاب حمل رسالة صريحة إلى البرلمانيين بأن السياسة في جوهرها التزام أخلاقي قبل أن تكون منافسة انتخابية، وأن العمل العمومي لا يكتسب شرعيته إلا من قدرته على إحداث أثر إيجابي في حياة الناس.

كما كان واضحًا أن الملك يضع الأمل في جيل جديد من المغاربة، جيل لم يعد يقتنع بالشعارات بقدر ما ينتظر النتائج. الشباب اليوم يريد أن يشارك، أن يبدع، وأن يرى وطنه يتقدم بخطوات ملموسة. ولهذا دعا جلالته المسؤولين إلى الإنصات الحقيقي لمطالب الشباب وابتكار آليات تتيح لهم المساهمة الفعلية في التنمية، لأن مستقبل المغرب لن يصنعه إلا أبناؤه المؤمنون بقدرتهم على التغيير.

أما البعد الأعمق في الخطاب فجاء في ختامه، حين اختار الملك أن يختم كلمته بالآية القرآنية:
“فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره”.
لم تكن مجرد تلاوة رمزية، بل كانت جوهر الرسالة الملكية. إنها دعوة إلى الوعي بأن المسؤولية ليست فقط محاسبة قانونية، بل محاسبة أمام الضمير والتاريخ، وأن الفعل السياسي يجب أن يستند إلى ميزان القيم قبل ميزان المصالح.

بهذه الآية، يضع الملك الإطار الأخلاقي لأي ممارسة عمومية، ويذكّر بأن العدالة الحقيقية تبدأ من داخل الإنسان، وأن الإصلاح لا يتحقق إلا حين يدرك كل فاعل أن كل عمل – مهما صغر – له أثر وسيُرى. إنها عودة إلى جوهر الفكرة القرآنية التي تجعل العمل الصالح أساس النهضة، وتجعل الصدق في خدمة الوطن عبادة في حد ذاته.

الخطاب الملكي هذه السنة لم يكن مجرد توجيه سياسي، بل تأمل في معنى المسؤولية وجوهر المواطنة. لقد أعاد ترتيب العلاقة بين السياسة والأخلاق، بين السلطة والضمير، بين الجيل الذي أسس الاستقرار والجيل الذي يصنع المستقبل. رسالة الملك كانت واضحة: من يعمل خيرًا للوطن فلن يضيع جهده، ومن يقصّر في خدمته سيسجله التاريخ قبل أن يحاسبه القانون.

إنه خطاب يزرع الأمل في جيل جديد، ويعيد الاعتبار لقيمة العمل الشريف والإخلاص في خدمة الوطن، ويؤكد أن بناء المغرب الحديث يبدأ من مثقال ذرة من الخير، تثمر وطنًا كبيرًا يسع الجميع.

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: Content is protected !!