تفاحة الغواية… أم لعنة الكرسي؟

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

تفاحة الغواية… أم لعنة الكرسي؟

بقلم: زكية لعروسي

في زمن ما بعد المظاهرات، حين هدأ الغبار وارتفعت الأسئلة بدل الشعارات، يطلّ وجه السؤال الحقيقي: أين هي المصداقية التي وعد بها رؤساء الأحزاب؟ وأين ذهبت شرارة الثقة التي كانت تسكن صدور الشباب؟ أهي لعنة الغواية السياسية التي تجعل الكرسي أكثر إغواء من الحقيقة؟ أم أن التفاحة التي قضمها السياسيون لم تكن تفاحة معرفة، بل تفاحة منصب، مسقاها من نهر النسيان؟
يا رؤساء الأحزاب، أيها الذين تمرستم على البلاغة حتى نسيتم الصدق، هل وعيتم أن جيلا بأكمله بات ينظر إليكم كما ينظر إلى مرآة مشوشة لا تعكس سوى ظلال قديمة؟ الشباب اليوم لا يريدون وعودا من ورق، بل هواء آخر يتنفسه دون وساطة. إنهم لا يريدون مقاعد تلمع تحت الأضواء، بل كراسيّ صنعت من العمل لا من التصفيق. لقد ضاقوا بكم، أنتم الذين تقوست ظهوركم من طول البقاء في المنصب، تخافون أن يدخل الهواء بين الكرسي والظهر، فيسقط الغلاف من تراكم الغبار.
منذ عقود، والأحزاب تردد نفس النشيد، بنغمة تغيّر لحنها ولم يتغير معناها. تتحدثون عن الشباب وكأنهم زينة مهرجان، لا شركاء في القرار. تتحدثون عن الديمقراطية وكأنها ديكور للنوافذ لا باب مفتوح للعبور. فهل سألتم أنفسكم يوما: لماذا انصرف الجيل عنكم؟ لماذا صار يهتف في الشوارع بدل أن يتحدث في المؤتمرات؟ لأنكم ببساطة أغلقتم الأبواب، ووزعتم المفاتيح على من يشبهكم لا على من يكمل مسيرتكم.
في مغرب أحدث فيه جلالة الملك نصره الله قفزة في الرؤية والتحديث، كان يفترض أن تكونوا أنتم الجسر بين المشروع الملكي والشعب، لا الحاجز بين الطموح والواقع. الملك يدعو إلى التجديد، وأنتم تعيدون نفس الوجوه، نفس الخطابات، نفس الشبهات. كيف يمكن لأمة أن تتجدد بوجوه لا تؤمن سوى بالخلود فوق الكراسي؟
أبعد كل ما تحقق من إنجازات، نعود لنقترف الخطيئة نفسها؟ نعود إلى تفاحة الكرسي التي أكلت العقول؟ ألم يقل الحق سبحانه: “أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا”؟ تلك الأقفال التي تمنع عنكم نور النقد الذاتي، وتغلق عليكم سجن المناصب حتى وأنتم تتحدثون عن المستقبل.
جيل اليوم لا يريد ثورة، بل يريد وعدا صادقا لا يكسر على طاولة المساومات. يريد أن يجلس إلى جنب من ساروا قبله، لا أن ينظر إليه كطفل يعبث في ملعب الكبار. ليست المشكلة في الشباب، بل في من لا يريد أن يغادر المقعد. وليست الأزمة في الطموح، بل في من حولوه إلى ورقة انتخابية لا أكثر.
فيا من احتفظتم بالكراسي حتى بهت لونها، اعلموا أن التفاحة التي تأكلونها اليوم مسمومة، وأن الغواية التي تسكنكم ليست مجدا، بل لعنة ستكتبها الأجيال بمرارة. اتركوا للشباب بعض الهواء، بعض الضوء، بعض الحلم.
أما المغرب، فسيستمر في طريقه، لأن جلالة الملك نصره الله يقود برؤية تتجاوز الأجيال، وترى في الشباب لا امتداداً فقط، بل خلاصاً. فلا تخربوا هذا البناء برواية تفاحة المنصب، فالتاريخ لا يرحم من يأكل التفاحة مرتين.

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: Content is protected !!