أمسية أدبية في ثانوية سيدي مومن احتفاءً بـ “أولاد الكريان” ومحمد صوف
أمسية أدبية في ثانوية سيدي مومن احتفاءً بـ “أولاد الكريان” ومحمد صوف
متابعة: عبد الحق السلموتي
في إطار سلسلة لقاءات “كاتب وكتاب”، نظم نادي خديجة للثقافة والإبداع مؤخرًا أمسية أدبية وفنية احتفاءً برواية “أولاد الكريان” للكاتب القاص والروائي والمترجم محمد صوف. وقد أقيم هذا الحدث في قاعة الأنشطة والعروض التابعة للثانوية التأهيلية خديجة أم المؤمنين بمنطقة سيدي مومن في الدار البيضاء.
افتُتح اللقاء بعرض فيديو تم تصويره في الهواء الطلق بحديقة الجامعة العربية بالقرب من منزل الكاتب المحتفى به. وقد أدلى الشاعر والناقد الدكتور محمد عرش بشهادة مؤثرة في حق صديقه ورفيق دربه الأدبي والإبداعي، مشيرًا إلى أن صداقتهما تمتد لأكثر من أربعين عامًا. وأوضح أن لقب “صوف” يليق به، لأنه اكتسب مهارات الحكي من جدته وأمه، مضيفًا أنه تعلم من صوف الكثير، بما في ذلك تناسق الألوان وحسن الاستماع والسخرية من الواقع.
في بداية الأمسية الاحتفالية برواية “أولاد الكريان”، أُعطيت الكلمة مرة أخرى لصاحب “مخبزة أونغارتي”، الذي استرجع ذكريات توليه مسؤولية إدارية في هذه الثانوية. وقد شارك التلاميذ الحاضرين مجموعة من الذكريات الجميلة والمشوقة المحفورة في الذاكرة والوجدان. وأضاف أن عنوان “أولاد الكريان” الذي اختاره صوف لروايته الأخيرة يحيل إلى “كاريان سنطرال”، كرمز للمقاومة ومواجهة المستعمر. وأشار إلى أن الرواية لم تقتصر على التوثيق والتاريخ، بل فتحت آفاقًا واسعة للخيال، مما أضفى عليها جوًا من التشويق. كما لفت إلى أن اغتصاب البتول من قبل ولد غضيفة، العاشق لجسدها، يوازيه اغتصاب الحرية من قبل المستعمر الفرنسي.
الكاتب والناقد الدكتور محمد رزيق مبارك قدم ورقة بعنوان “الواقع والمتخيل في رواية ‘أولاد الكريان'” خلال هذه الأمسية الأدبية. وأشار إلى أن محمد صوف يعتبر من التجارب الأدبية المغربية والعربية المتميزة في خلق نوع من التجريب الأدبي، وهو ما تشهد عليه تجربته الغزيرة والمتنوعة كمًا وكيفًا. وأضاف رزيق أن صوف عودنا على الالتزام بأسلوبه ومنهجه في الكتابة، من خلال روايات قصيرة ومكثفة تدور أحداثها ووقائعها في الواقع المغربي بكل أفراحه وأتراحه، بظاهره وبأسراره، بالمسكوت عنه والمتحدث عنه. وأوضح أنه يستمد مواضيعه من الواقع الذي يصعب الإمساك به والكتابة عنه، وهي السمة التي تطبع رواية “أولاد الكريان” التي حاول كاتبها من خلالها الغوص عميقًا في هذا الواقع المغربي المتشظي من حيث الفوارق الاجتماعية الصارخة وتناقضاته البنيوية.
استرسل محمد رزيق في تحليل أعماق وخبايا رواية “أولاد الكريان”، تمامًا كما فعل محمد عرش من قبله في الحديث عن المزايا الأخلاقية والإنسانية التي يتمتع بها مؤلف الرواية. وقد كانت هذه الرواية سببًا ودافعًا لهذا اللقاء الأدبي الممتع، الذي زادته تألقًا وتوهجًا المشاركة التلقائية والجميلة لمجموعة من تلميذات وتلاميذ الثانوية، تحت إشراف الأستاذ المبدع عصام حجلي. وقد تولى هؤلاء التلاميذ كل شيء، من تقديم وربط بين الفقرات، وغناء وتمثيل، ومحاورة لعريس اللقاء، الأديب محمد صوف، الذي تفاعل وتجاوب بروحه المرحة كالمعتاد مع محاوريه الذين استدرجوه للحديث عن جوانب عديدة، من بينها علاقته بالقراءة التي بدأت منذ طفولته المبكرة وتنوعت لاحقًا حسب مراحل عمره المختلفة. وقد اعترف بحبه لجميع الكتاب المغاربة وبتقديره لما قدمه له الجيل السابق من هؤلاء الأدباء.
وقد واكب برنامج هذه الأمسية الأدبية المتميزة مدير الثانوية التأهيلية خديجة أم المؤمنين، ومجموعة من التلميذات والتلاميذ، بالإضافة إلى بعض الضيوف الذين حضروا من خارج المؤسسة التعليمية. واختُتمت الأمسية بتوقيع الكاتب المحتفى به نسخًا من روايته “أولاد الكاريان”، الصادرة عام 2024 عن منشورات أكورا للنشر بطنجة، للتلاميذ والضيوف على حد سواء. وتعتبر هذه الرواية العاشرة في مسيرة محمد صوف الروائية، التي بدأها عام 1980 برواية “رحال ولد المكي”. كما صدر له ست مجموعات قصصية، أولها “تمزقات” عام 1978 وآخرها “زمن عبد الرؤوف” عام 2014. وله في الترجمة “النساء يكتبن أحسن”، وهي قصص لكاتبات من أمريكا اللاتينية، وكتاب “طفل من حقول الكاكاو”، وهي سيرة طفولة جورج أمادو، وغيرها من الترجمات الأدبية.