القناصلة الجدد بين مسؤولية الإدارة ورسالة الثقافة.. عهد الهواء الجديد وروح الثقافة

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

القناصلة الجدد بين مسؤولية الإدارة ورسالة الثقافة.. عهد الهواء الجديد وروح الثقافة

بقلم: زكية لعروسي

نحن على أعتاب مرحلة حاسمة، حيث يغادر بعض القناصلة مواقعهم بعد أن حملوا على عاتقهم ثقل الإدارة وهموم الجالية، ليحل محلهم جيل جديد من أبناء الوطن. إننا نستقبلهم كما يستقبل المقاتلون في ساحة جديدة، يحملون راية الدولة ويؤتمنون على قلوب مئات الآلاف من المغاربة في المهجر. ليست هذه مجرد حركة إدارية عابرة، بل هي منعطف يضعنا أمام سؤال أعمق: أي دور نريد لقنصلياتنا أن تؤديه، وأي وجه نرجو أن تعكسه للمغربي المقيم خارج أرضه.
لقد عانى المثقف المغربي طويلا من الصمت الذي يخنق المبادرات، ومن أبواب أغلقت في وجه الحوار، وكأن الثقافة عبء زائد لا ضرورة له. لكننا نؤمن أن القنصل لا يقاس نجاحه بقدر الملفات التي أنجزها فقط، بل بقدر الروح التي يضخها في مؤسسته، وبالمساحة التي يفسحها لصوت الثقافة.
إنّنا ننتظر منهم أكثر من الصرامة الإدارية واليقظة الأمنية؛ ننتظر منهم أن يكونوا أرواحا للثقافة، وأن يفتحوا أبواب القنصليات على هواء جديد.
لقد تعودنا أن نرى القنصل جنديا من جنود الوطن، يحارب البيروقراطية ويواجه يوميا ملفات شائكة. غير أن التجربة علمتنا أن المعركة الكبرى لا تقتصر على الأوراق والتوقيعات، بل تمتد إلى الفضاء الأوسع: معركة الثقافة، معركة الهوية، معركة الحفاظ على الجسور بين الوطن وأبنائه. فالثقافة ليست زينة مضافة، إنها السلاح الناعم الذي يحفظ المغترب من الذوبان، والذاكرة التي تصون صورة المغرب في العالم.
مررنا بسنوات صعبة، أحس فيها المثقف المغربي بالمهجر بالعزلة، حين أغلقت الأبواب أمام صوته وتهمشت مبادراته. لذلك فإن الرسالة واضحة: لا نريد نخبوية ولا إقصاء، لا نريد مؤسسات صامتة تتحول إلى جدران، بل نريد مؤسسات تنبض بالحياة، مؤسسات تكون بيتا للجميع، من المواطن البسيط إلى المثقف الحامل لهموم الفكر والإبداع.
إن المغرب الذي يعتز بحضارته يعلم أن الإدارة تصون الحقوق، لكن الثقافة وحدها تصون المعنى. عبر الثقافة نحاور الآخر، نواجه العزلة، ونمنح أبناء الجالية يقينا بانتمائهم. وقد علمنا التاريخ أن الحضارات التي همشت مثقفيها ماتت في صمت، أما التي احتفت بالثقافة وإحتضنت الفكر فقد أزهرت وخلدت.
نحن إذ نرحب بالقناصلة الجدد، فإننا نذكّر بأن العناية الملكية السامية بالمغترب ليست شعارا بل عهد راسخ. جلالة الملك محمد السادس نصره الله جعل من الجالية المغربية قلبا نابضا للسياسات الوطنية، وأكد أن المغترب ليس رقما في الإحصاءات بل روح ممتدة للوطن في العالم. ومن هنا، فإن مسؤولية القناصلة اليوم مزدوجة: صرامة إدارية لا تعرف التهاون، وإنفتاح ثقافي لا يعرف الإقصاء.
إنه الهواء الجديد الذي ننتظره، هواء ينعش المؤسسات ويمنحها طاقة الحياة. فلنأمل أن يبدأ عهد لا ينغلق فيه باب ولا يقصى فيه صوت، عهد يتحول فيه القنصل من موظف إداري إلى حامل لرسالة حضارية، من مقاتل في ساحة الملفات إلى مقاتل في ساحة المعنى.
مرحبا بالقناصلة الجدد، فالتاريخ يستمر بكم، والثقافة تنبض عبركم، والمغترب المغربي ينتظر منكم أن تكونوا صدى لصوت الوطن وأفقا رحبا لروحه في أرض الغربة. هذه ليست أمنية عابرة، إننا ننتظر أن يبدأ عهد جديد، عهد تفتح فيه الأبواب على مصراعيها، ويتحول فيه القنصل من موظف إلى شاهد على الحضارة، ومن إداري إلى حامل لرسالة الوطن الثقافية والإنسانية.
إنه نداء المثقف، نداء يستمد شرعيته من التاريخ، ويضع مسؤوليته بين أيديكم أيها القناصلة الجدد. فلتكن الثقافة في قلب عملكم، ولتكن آذانكم مفتوحة على الحوار، ولتكن قنصلياتنا صورة مشرقة لمغرب يليق بأبنائه في كل مكان.

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: Content is protected !!