فؤاد عالي الهمة قراءة سوسيولوجية لرمزية الوفاء المؤسساتي
فؤاد عالي الهمة قراءة سوسيولوجية لرمزية الوفاء المؤسساتي
عبدالإله العتوبي، باحث في سوسيولوجيا الهشاشة والحياة اليومية.
في مجتمعات كالتي نعيش فيها، حيث تتداخل السلطة بالشخص وتختزل الدولة أحيانا في وجوه بعينها، يصبح من الضروري تحليل الشخصيات المركزية لا فقط من زاوية المواقع التي تشغلها، بل من خلال موقعها داخل النسق الاجتماعي والثقافي والسياسي ككل. فؤاد عالي الهمة ليس مجرد مستشار ملكي أو صديق شخصي للملك محمد السادس حفظه الله، بل هو رمزي يجسد ما يمكن تسميته بـ”الوفاء المؤسساتي”، أو ما يسميه البعض بـ”الولاء العقلاني” ضمن منطق الدولة.
في علم الاجتماع السياسي، نادرا ما نجد حالات يُشكل فيها القرب الشخصي من رأس الدولة رافعة للاستمرارية المؤسساتية بدل أن يكون مجرد امتياز فردي. فؤاد عالي الهمة يمثل هذا الاستثناء: ابن المدرسة المولوية، خريج العلوم السياسية، رجل الدولة الذي صاغ حضوره داخل منطق “الظل”، حيث النفوذ لا يقاس بالتصريحات، بل بالتأثير في بنية القرار. هذا الموقع جعله يشتغل على أكثر من واجهة: من داخل وزارة الداخلية، مرورا بتجربته في التأسيس الحزبي، وصولا إلى لعب أدوار تكتيكية في تدبير التوازنات الاجتماعية والسياسية، خاصة في لحظات حرجة كالربيع العربي ومرحلة صعود الإسلاميين.
السوسيولوجيا تعلمنا أن الرموز لا تخلق فقط من خلال ما يقال عنها، بل أيضا من خلال ما تصمت عنه. في هذا الصمت الرمزي لفؤاد عالي الهمة، تكمن قوة حضوره. فغيابه عن الإعلام، وابتعاده عن الخطاب المباشر، يمنحه تلك المسافة الرمزية التي تحوله إلى “مؤسسة داخل المؤسسة”، تماما كما تحدث بيير بورديو عن السلطة التي تمارس قوتها من خلال إنكارها.
لكن وفاء الهمة لا ينحصر في شخص الملك فقط، بل يمتد إلى تصور أوسع للملكية كعمود فقري للدولة المغربية، أي أن انتماءه ليس لشخص، بل لبنية، لمخيال سياسي وتاريخي يرى في استمرار المؤسسة الملكية ضمانة لوحدة الدولة وتماسك المجتمع. وهنا يظهر “البرّ” ليس كقيمة عاطفية، بل كاستراتيجية وجودية في سياق دولة ما تزال تعيد إنتاج نفسها عبر الرموز والأشخاص الذين يمثلونها لا بصفتهم أفراد، بل بصفتهم حاملي أدوار ووظائف تتجاوز ذواتهم.
من هذا المنظور، يمكن قراءة فؤاد عالي الهمة كنموذج للفاعل السياسي الذي اختار أن يكون داخل اللعبة دون أن يكون في الواجهة، وهو ما يجعل تحليله سوسيولوجيا أكثر من كونه تحليلا سياسيا صرفا. هو ليس مجرد رجل سلطة، بل تمثيل حي لتحولات الدولة المغربية، في بعدها المزدوج: التقليدي والحداثي، الأصيل والمعاصر، الرمزي والتقني، الشخصي والمؤسساتي.