حين تتحول السياسة إلى لعبة عبثية بفعل غياب الرقابة
حين تتحول السياسة إلى لعبة عبثية بفعل غياب الرقابة
في قلب جماعة رأس العين الرحامنة، حيث يفترض أن تكون المؤسسات الترابية أداة للنهوض وتحقيق مصالح الساكنة ، تحولت المجالس إلى ساحات معارك سياسية، تدار فيها الخلافات لا لصالح التنمية، بل لحسابات حزبية ضيقة ، حيث لم يعد القرار خاضعا لاعتبارات تنموية، بل لمنطق التصعيد والمكايدة.
لم يكن صباح الإثنين 12 ماي يوما عاديا، فقد كشفت المعارضة عن نواياها الحقيقية، وأسقطت جميع النقاط المدرجة في جدول أعمال دورة ماي، لتدخل الجماعة رسميا في دوامة “البلوكاج“، حيث المشاريع تتعطل، والخدمات تجمد، والمواطن يبقى رهينة حسابات لا تعنيه.
الغياب الرقابي الفاضح فتح الأبواب أمام سيناريوهات العبث الإداري، بعدما قاطعت المعارضة الجلسة الأولى يوم الأربعاء، ثم عادت لتسقط كل النقاط المدرجة، بما فيها اتفاقيات لدعم جمعية “دار الطالبة والطالب”، التي تعنى بمساعدة الطلبة والتلاميذ، إضافة إلى ملفات حيوية مثل الوضعية الفلاحية للجماعة، التي كان يفترض أن تكون محور اهتمام المسؤولين، لا ورقة ضغط تلقى في أتون الحسابات الانتخابية.
لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد كان التصعيد مدروسا بعناية، ممتدا من رفض المصادقة على مشاريع الميزانية لعامي 2024 و2025 خلال دورة أكتوبر، إلى إسقاط ملفات حيوية مثل *إصلاح السوق الأسبوعي، بناء المجزرة الجماعية، وتعديلات دفاتر التحملات المتعلقة بكراء المرافق الأساسية.
إن ما يحدث في رأس العين الرحامنة ليس مجرد أزمة سياسية بين المعارضة والرئيس عبد السلام الباكوري ، بل هو انعكاس لفشل الرقابة المؤسساتية في ضبط المشهد ، حيث استغل المعارضون هامش الفوضى السياسية لإغلاق كل الأبواب أمام استمرارية عمل المجلس، وحولوا أدوات الديمقراطية إلى سلاح يستخدم لإجهاض أي تقدم يمكن أن يتحقق.
هذا الوضع ليس سوى امتداد لتآكل السيطرة السياسية لحزب الأصالة والمعاصرة، الذي هيمن على الجماعة لثلاث ولايات متتالية، لكنه اليوم يخسر مواقع نفوذه ، خصوصا بعد أن فقد الدائرة الانتخابية رقم 1 لصالح منافسه حزب التجمع الوطني للأحرار، في مشهد ينذر بتغييرات جذرية في الخارطة السياسية للمنطقة.
لكن السؤال الأكبر يبقى: إلى متى سيظل غياب الرقابة يسمح لهذا العبث بالاستمرار؟ وهل يمكن للسلطات المعنية أن تتدخل لوقف مسلسل التعطيل وإعادة التوازن إلى المشهد؟ أم أن الجماعة ستظل غارقة في أزمات سياسية، لا تخدم فيها سوى المصالح الشخصية، بينما المواطن يظل وحده يدفع الثمن؟
محمد النــــــقاش