الجالية المغربية المقيمة بالخارجو دورها في دعم الاقتصاد الوطني وتعزيز قضايا المغرب
كان ولا يزال موضوع الجالية المغربية المقيمة بالخارج يحظى باهتمام العديد من الباحثين والمتخصصين، السياسيين، ورجال الثقافة. يعود ذلك إلى إسهامات الجالية المادية وغير المادية في وطنها الأم منذ الرعيل الأول وحتى اليوم. وبالنظر إلى المتغيرات الجيوسياسية في العقد الأخير، بما في ذلك أزمة 2008 الاقتصادية، المتغيرات المناخية، وأزمة كورونا التي أثرت بشكل كبير على الاقتصاد العالمي، أصبحت الجالية المغربية أكثر أهمية في صياغة سياسات عمومية تُعزز من دورها التنموي.
إذ تعتبر الجالية المغربية بالخارج جزءًا من المنظومة العالمية، ولها دور كبير في تعزيز احتياطات المغرب النقدية من العملات الصعبة. من خلال الاستثمارات في النسيج الاقتصادي الوطني، تساهم الجالية في دعم الاقتصاد الوطني، بالإضافة إلى دورها الكبير في الترافع القوي عن قضية الوحدة الترابية للمغرب.
حيث تُعد الجالية المغربية جسرًا للتواصل بين المغرب ودول المهجر. من خلال المشاركة في تعزيز التعاون بين البلدين، تسهم الجالية في تقريب العلاقات السياسية والاقتصادية بين المغرب والدول المضيفة. كما أنها تلعب دورًا أساسيًا في تمثيل المغرب في مختلف المجالات داخل هذه الدول، حيث يشغل العديد من أفراد الجالية مناصب سياسية وإدارية في دول المهجر.
لطالما أثنى جلالة الملك محمد السادس في خطابه على الجالية المغربية المقيمة بالخارج، مُشيدًا بتفانيهم في الحفاظ على أواصر انتمائهم لمغربهم الأم. وقد دعا جلالته إلى تحسين برامج المؤسسات المعنية بالجالية وفقًا لتوجيهات الدستور المغربي لعام 2011، مع التأكيد على أهمية التنسيق بين الفاعلين الحكوميين والجمعيات.
إن ما شهده العالم في السنوات الأخيرة تغيرات هائلة، بما في ذلك أزمة كورونا وأزمة الحرب الروسية الأوكرانية، مما أثر بشكل كبير على الاقتصاد العالمي وأدى إلى زيادة التحديات أمام الجاليات المغربية. ولكن رغم هذه التحديات، تواصل الجالية دورها الفاعل في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مما يجعل دورها أكثر أهمية من أي وقت مضى.
قضايا الشباب المغربي في المهجر:
يعد الشباب المغربي المقيم في الخارج أحد المكونات الأساسية التي يجب أخذها بعين الاعتبار في النقاشات حول الجالية. وقد أكد جلالة الملك في خطاباته على أهمية بناء شخصية الشباب المغربي من خلال مناهج تربوية وإعلامية تُعزز القيم الإنسانية والتواصل بين الأجيال.
يعد التعليم أحد المحاور الأساسية التي يسعى المغرب لتحسينها من خلال إنشاء معاهد ومراكز ثقافية تعليمية في دول المهجر. تهدف هذه المراكز إلى تعليم اللغة العربية وتعزيز الثقافة المغربية، مما يسهم في الحفاظ على الهوية الدينية والروحية لأبناء الجالية.
مقترحات لتحسين التعليم لأبناء الجالية:
- إنشاء معاهد ثقافية: تقديم تعليم سليم للغة العربية تحت إشراف أساتذة أكفاء.
- تطوير المناهج الدينية: التنسيق مع جمعيات المجتمع المدني لتطوير مناهج تدريس الدين الإسلامي على الطريقة المغربية المتسمّة بالاعتدال.
- إطلاق قناة تلفزيونية موجهة للمغاربة في الخارج: لإبراز إنجازات أبناء الجالية والمساهمة في تعزيز الروابط الثقافية مع الوطن.
- منصات إلكترونية موجهة للشباب: تمكين أبناء الجالية من التعبير عن أنفسهم والمساهمة في تنمية بلدهم من خلال منصات مخصصة.
تعزيز دور المساجد في المهجر: يجب تنظيم الأنشطة الدينية والتعليمية في المساجد المغربية بالتنسيق مع الجمعيات ذات الخبرة الطويلة. ومن المهم العمل على تجنب الجمعيات التي تستهدف المصالح الخاصة بدلاً من خدمة الجالية.
ضرورة الكفاءة في اختيار المسؤولين: فيما يخص مؤسسات الجالية مثل المجلس الأعلى للمغاربة المقيمين بالخارج، يجب أن تراعي الجهات المعنية الكفاءة والخبرة في اختيار الأعضاء، بعيدًا عن منطق المحاباة.
إن دور الجالية المغربية المقيمة بالخارج لا يقتصر على مجرد تواجدها في المهجر، بل تعدى ذلك إلى أن تصبح عنصرًا أساسيًا في بناء العلاقات الدولية، وتعزيز الاقتصاد الوطني، والحفاظ على الهوية الثقافية والدينية. وتستمر الجهود التي يبذلها جلالة الملك محمد السادس لإعطاء هذه الجالية مكانتها اللائقة، عبر إطلاق المبادرات المؤسساتية التي تضمن حقوقها وتعزز من مشاركتها الفعالة في التنمية الشاملة للمغرب.
علي السعماري، رئيس المجلس الفيدرالي الديمقراطي المغربي الألماني.
أستاذ باحث ومهتم بشؤون وقضايا المهاجرين
مدينة دوسلدورف الألمانية