نوستالجيا من عادات أحياء المدينة العتيقة مراكش
عبد الصادق النوراني
من بين العادات الحميدة التي كانت تميز احياءنا العتيقة بمدينة مراكش والتي تعرضت للانقراض والنسيان بفعل تأثيرات الزمن الجارف ، هي منادات جاراتنا من أقران أمهات بكلمة (امي فلانة) مع تقبيل أيديهن كلما حدت والتقيناهن في الزقاق صباحا أو مساءا .
ولعل هده العادة على عفويتها كانت تحمل في مضامينها قيما دينية وأخلاقية وتربوية على جانب كبير من الاهمية ، تستحق منا الوقوف عليها وقراءتها أكثر من قراءة تمحيصا لتفاصيلها وفهما لمعانيها ودلالاتها الاجتماعية العميقة.
ومع كامل الأسف فإن هده العادة قد اندثرت في زماننا هذا سواء في الحواري القديمة أو في التجمعات السكنية الجديدة من تجزءات واقامات شيدت على هامش هده الأحياء، حيث انعدمت التحيات الصباحية والزيارات المتبادلة والمواسات والاحترام المتبادل بين الجيران .
ولست أدري ما الدي دفع بامهاتنا وهن اميات لا يعرفن القراءة ولا الكتابة إلى تبادل إرضاع الرضع من بناتهن وأبنائهن فيما بينهن تيمنا بالآية الكريمة (واخوانكم من الرضاعة) والحديث النبوي الشريف(لا يزال جبريل يوصيني بالجار حتى كدت انه سيورته). أليست هذه قمة الود والاحترام والتاخي بين الجيران التي ميزت أمهاتنا واباءنا واسلافنا ؟
وأذكر فيما حكته لي والدتي أطال الله عمرها أنها رضيعة لخمسة اطفال أبناء زقاقنا من مثل سني ، كما أنني رضعت من ثيدان (واعتدر من الأصدقاء إن دكرت أسمائهم) امي لخليفية رحمها الله أم السعيد بنطاموشي وأمي اجميعة رحمها الله أم عبد الإله كرموم وأمي زهرة أم عبد الناصر الكرطي وأمي عيشة الزيتوني أم نجاة رزق وأمي خدوج أم عبد العزيز احريس. بمعنى أنني أخ لهؤلاء الذين أصبحوا آباء وأمهات كما أنني إما خال أو عم لأبنائهم والعكس صحيح. وهدا ما جعل حينا مضرب مثل في حسن الجوار والتاخي والتازر وغياب مظاهر الإجرام والانحراف إلى وقت غير بعيد.
إن الأمهات والآباء على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية والثقافية والإدارية مدعوون أكثر من أي وقت مضى للابتكار أساليب جديدة في المعاملات مع الجيران تعيد مجد قيم التآخي والتضامن والتازر درءا لكل اشكال انحرافات أبنائهم وإعادة القيمة لمفهوم الجار وإبن أو ابنة الجار يسودها الاحترام والتقدير المتبادلين.